من برلين إلى بلومفونتاين عبر تورينو السبت 26 يونيو 2010
"الخبر
الجيّد: إنجلترا تأهلت. الخبر السيئ: ألمانيا المحطة المقبلة". لعل عنوان
جريدة "الجارديان" هذا يلخّص الشعور بالخوف الذي يحرّكه اللقاء مع ألمانيا
في القلوب الإنجليزية. ولئن تغلبت إنجلترا على ألمانيا الغربية عام 1966
لتحصل على تاجها العالمي الوحيد، فإن مشهد القمصان الألمانية عنى ويعني
منذ ذلك الحين مقدمة لركوب الفريق الإنجليزي ومشجعيه طائرة العودة إلى
الوطن. والواقع أن المعادلة بسيطة: كأس العالم زائد ألمانيا تساويان
حزناً لإنجلترا.
فلنتذكرْ المكسيك 1970 حين خسرت إنجلترا تقدمها بهدفين
لتُهزم 3-2 أمام ألمانيا الغربية في ربع النهائي في ليون، وتفلت من بين
يديها كأس جول ريميه. ولنتذكرْ أسبانيا 1982 حين أدى تعادل سلبي في الدور
الثاني في مدريد إلى إقصاء إنجلترا بعد عجزها عن الفوز على أسبانيا التي
كان الألمان الغربيون قد أشبعوها خسارة.
وبالطبع فلنتذكرْ إيطاليا 1990 ودموع اللاعب بول جاسكوين
في تورينو. فقد احتلت مباراة نصف النهائي تلك مكانا مهما في الفولكلور
الكروي الإنجليزي بعدما كانت المحطة الأخيرة في أفضل مسيرة للإنجليز في
كأس العالم خارج أرضهم. والحقيقة أن فريق المدرّب بوبي روبسون كان قاب
قوسين أو أدنى من الوصول إلى المباراة النهائية، لكنه خسر 4-3 بركلات
الجزاء الترجيحية بعد تعادل الفريقين 1-1. وفي هذا الصدد، قال جاري لينيكر
صاحب الهدف الإنجليزي في تلك العشية والمحلل للـ "بي بي سي" في جنوب
أفريقيا اليوم لـ
ouno.nstars.org أخيراً: "كان ذلك الأداء الأفضل للفريق خارج أرضنا ونحن فخورون بأنفسنا. فإذا كان لك أن تخسر فاخسر بتلك الطريقة".
اللافت أن نتائج إنجلترا في مرحلة المجموعات عام 1990
كانت مطابقة لنتائجها في جنوب أفريقيا: 1-1، 0-0، 1-0. وكان الفريق
محظوظاً وقتذاك بفوزه على بلجيكا والكاميرون في الدورين التاليين. وفي
مباراة نصف النهائي خاض مباراة مليئة بالأحداث مع فريق فرانتس بكنباور
الذي قُدّر له أن يتوّج بطلا للعالم لاحقا. وكان جاسكوين من جهته في قمة
مستواه. ويتذكّر لينيكر ذلك بقوله: "كان يتمتع بموهبة مذهلة والكثير من
الثقة بالنفس". والواقع أن حظ إنجلترا كان عاثراً عندما تأخرت بهدف أتى من
ركلة حرة سددها أندرياس بريمه لترتطم الكرة ببول باركر وتسقط في الشباك من
فوق الحارس بيتر شيلتون. وقال باركر: "كان هدفا عجيبا. هذا أمر يحدث
أحيانا". وتجدر الإشارة إلى أن باركر نفسه رفع الكرة التي عادل منها
لينيكر النتيحة في الدقيقة 80. وأضاف اللاعب السابق متحدثا إلى
ouno.nstars.org:
"كنا نلعب ضد فريق كان الأفضل على مدى الدورة وقد ضغطنا عليه وسببنا له
مشاكل أكثر من أي فريق آخر. شعرنا بأننا كنا سننال شيئا من المباراة".
كان ذلك الأداء الأفضل للفريق خارج أرضنا ونحن فخورون بأنفسنا
جاري لينيكر عن مواجهة 1990
كاد الفريق الإنجليزي يحسم المباراة لمصلحته في الوقت
الإضافي عندما أصاب كريس وادل القائم، علما أن خشبات المرمى منعت أيضا
هدفا للألماني جيدو بوخفالد. وقد انهمرت دموع جاسكوين المعروف بـ "جازّا"
غزيرةً عندما نال بطاقة صفراء كانت تعني حرمانه خوض المباراة النهائية.
إلا أن الدموع الحقيقية انهمرت عندما أضاع ستيوارت بيرس وكريس وادل ركلتي
الجزاء اللتين سدداهما. واسترجع بيرس، عضو الفريق التدريبي لفابيو كابيللو
في جنوب أفريقيا، النهاية الدرامية لتلك المباراة وما أعقبها خلال عرض
الفيلم الوثائقي الذي أطلق أخيرا عن حملة إنجلترا عام 1990 تحت عنوان "ذات
ليلة في تورينو".
وقال بيرس في هذا الموضوع الشهر الماضي إنه تعلّم درسين
من الألمان في تلك الليلة. الدرس الأول هو أهمية التدرّب على تسديد ركلات
الجزاء – مع أن ذلك لم يمنع الألمان من تكرار الفوز على الإنجليز في نصف
نهائي كأس أوروبا 1996 – والثاني أهمية الإحترام. فمقابل تصوير الصحف
الشعبية الإنجليزية للاعبين الألمان بسخرية شديدة، يُظهر هؤلاء إحتراما
كبيرا لنظرائهم الإنجليز. ويروي بيرس مشهد الإحترام المتبادل في غرفة
الاختبارات الخاصة بالمنشطات بملعب ديلّي ألبي في وقت متأخر من تلك
الليلة. "لو دخل أحد الغرفة وقتها لما عرف من ربح ومن خسر. فاحترامهم
للاعبَين من الفريق الخصم الخاسر كان رائعا".
ولادة خصومة
في وقت معيّن، لم تكن
ألمانيا التي تغلبت عليها إنجلترا خمس مرات فقط في لقاءاتهما الـ 19
الأخيرة، رمزاً للخصم العنيد. فقد احتاج المنتخب الألماني إلى 60 عاماً
للتغلب على الإنجليز الذين فازوا في لقائهم الأول على الألمان 5-1 في
برلين. وهي النتيجة التي كررها الإنجليز عام 2001 في مباراة ضمن تصفيات
كأس العالم . وبعد فوز فريق آلف رامزي على ملعب ويمبلي عام 1966، كان
السجل الإنجليزي يضم 10 انتصارات على الألمان مقابل تعادلين. وبالطبع كانت
الذروة يوم 30 يوليو/تموز 1966 في ويمبلي مع فوز المنتخب الإنجليزي
بالمباراة النهائية لكأس العالم المصحوب بقسط وافر من الدراما والجدل.
لم تبدأ تلك المباراة النهائية كما تمنى الإنجليز بعد تقدم خصومهم بهدف في الدقيقة 12 سجله هلموت هالر. وقال بوبي تشارلتون لـ
ouno.nstars.orgمتذكرا: "قلت لنفسي، حسنا هذا ليس مكتوبا في السيناريو. لم نتأخر في أي
مباراة في تلك الدورة لكننا كنا نتمتع بآلية تبقينا متحدين". وفي حين أن
تشارلتون كان منشغلا بمراقبة فرانتس بكنباور فإن الأخير "قيل له أيضا أن
يبقى قريبا مني فلم يشارك كلانا في المباراة النهائية حقيقةً". وقد رد
الفريق الإنجليزي بعد الهدف الألماني بهدفين لجيف هيرست ومارتن بيترز.
روجر هانت كان أقرب مني وكان بوسعه أن يسددها برأسه في المرمى لكنه لم يفعل. لقد ظنّ بدوره أن الأمر انتهى
بوبي تشارلتون عن نهائي 1966
ظن الفريق المضيف أنه ربح المباراة، لكن فولفجانج فيبر
فرض الوقت الإضافي عندما سجل هدف التعادل في الدقيقة 89. ويتذكر تشارلتون
قول المدرّب رامزي للاعبيه: "ربحتم مباراة والآن عليكم أن تربحوا أخرى".
وقد فعلوا ذلك بفضل هدف يقول عنه تشارلتون إنه "على الأرجح الاكثر إثارة
للجدل في كأس العالم على الإطلاق". ومعلوم أنه يقصد كرة هيرست التي ربما
تجاوزت خط المرمى وربما لا.
أضاف تشارلتون: "استدار جيف هيرست وسدد الكرة فاصطدمت
بالعارضة ونزلت، فقلت "انتهى الأمر". وأتذكر أن الجميع نظروا إلى حكم
التماس، ولبرهة ظننت أنه ألغى الهدف، لكنه احتُسب في النهاية. في كل مرة
أذهب إلى ألمانيا يكون عليّ أن أتحدث عبر الإذاعة... أفهم الغضب المحيط
بمسألة تجاوز الكرة خط المرمى أم لا. لكن روجر هانت كان أقرب مني وكان
بوسعه أن يسددها برأسه في المرمى لكنه لم يفعل. لقد ظن بدوره أن الأمر
انتهى".
اختتم هيرست الفوز الإنجليزي بهدفه الثالث "هاتريك" في
اللحظات الأخيرة، وعندما انطلقت صفرة النهاية التفت تشارلتون إلى شقيقه
جاك وقال: "حسناً، ما رأيك في ذلك يا فتى؟ حياتنا تغيرت كلّياً ولن تعود
كما كانت على الإطلاق". وقد كان على حق في ذلك، ولكن لسوء حظ الإنجليز
تغيّرت المنافسة مع ألمانيا أيضا. ذلك أن المنتخب الإنجليزي لم يتمكن من
قهر غريمه اللدود في نهائيات كأس العالم منذ ذلك الحين. وإذا أفلح في ذلك
الأحد في بلومفتين، سوف يرتفع منسوب الآمال في إمكان إنهاء رحلة الإنتظار
المستمرة منذ ذلك اليوم الذهبي في لندن قبل 44 عاماً.